يريد العملاء أن يشتروا أفضل منتج بأقل سعر، وفي نفس الوقت يتشككون كثيرًا من جودة المنتجات رخيصة الثمن ويبعدهم أسعار المنتجات الغالية عن فكرة الشراء، فماذا على التاجر أن يقوم به إتجاه عميل لا يعرف تحديدًا ما الذي يريده إنما يرغب فقط في تحقيق أفضل انتصار ممكن في العملية البيعية؟!التسعير النفسي، هذا هو الحل المثالي للمشكلة التي لطالما واجهت التجار مع العملاء المستهدفين، حل يمكنه من تحقيق الربح الذى يطمح له، وفي نفس الوقت يحقق للعميل رغبته في الشعور بالانتصار، فالمقصود بهذا المصطلح وما أهميته وما هي الاستراتيجيات الإحترافية المستخدمة فيه، هذا ما سنتناوله بالتفصيل خلال السطور القادمة.
التسعير النفسي هو واحد من استراتيجيات التسويق الفعالة والتى يتم فيها استخدام المشاعر والمحفزات النفسية كعنصر من عناصر عملية التسويق الناجحة، بحيث يتم استخدام استراتيجيات سيكولوجية في إضافة قيمة للمنتج سواء كانت هذه القيمة متعلقة بإمتلاك جودة أكبر أو بشراءه بسعر أقل. تعمل استراتيجيات التسعير مفعول السحر على العميل ولاسيما في مواسم التخفيضات أو العروض الحصرية، إذا يتوهم العميل إنه حقق إنتصارًأ على أرض الواقع بشراء منتج بسعر يخالف سعره الحقيقي أو تمكن من الفوز بصفقة عادلة تمكن فيها من الحصول على مميزات حصرية ستجعله يتفوق على عملاء المنافسين الآخرين. يظهر التسعير النفسي بقوة في ممارستنا اليومية بشكل غير واعي، وذلك عندما تجد نفسك تميل بشكل لا إرادي إلى شراء المنتجات ذات القيمة السعرية الأقل كـ 9.99 أو شرائك الحجم الاكبر من المنتجات ذات الثلاث أحجام المتقاربة في السعر، أو شراء المنتج بعد الخصم حتى ولو كان قليلًا، أو التبضع أون لاين بشراهة لأن الشحن مجاني على هذه المنصة. كل هذه الأفعال التي تجعلنا نستغرق في العملية التسويقية بدون وعي، هي في الأساس جزء لا يتجزأ من التسعير النفسي، وهي ممارسات قام العلماء بدراستها بدقة على مدار العقود، مكنتهم نتائجها من الخروج بتوصيات لعلماء التسويق تساعدهم في مضاعفة مبيعاتهم بكل سهولة وبدون أي جهد.
تعد استراتيجية التسعير الساحر واحدة من أشهر وأكثر الاستراتيجيات استخدمًا في التسعير النفسي للمنتجات، وفيها تشير الدراسات أن العميل لا اراديًا يتأثر بالرقم الذى يتم وضعه في يسار السعر، فإذا وجد أن سعر المنتج مرتفع، يعدل عن الشراء، أما إذا وجد أن القيمة السعرية للمنتج منخفضة حتى ولو بجنيه واحد أو أقل، يكون أكثر تقبلًا للشراء. من هذه النقطة قامت الشركات التجارية على تغيير سياستها السعرية من عرض الأسعار بشكل ثابت كـ 13 $ أو 10$ إلى 12.99$ أو 9.99$، وعادة ما تميل العلامات التجارية إلى استخدام الأرقام الفردية لتأثيرها الكبير على لفت انتباه العميل، بالإضافة إلى سهولة تذكرها بسهولة مقارنة بالأرقام الزوجية في عملية البيع.
جميعًا بشكل أو بأخر تعرضنا لهذه الاستراتيجية ووقعنا في تأثيرها الكبير، فشعارات كـ: العرض مستمر لمدة 24 ساعة فقط، أو يومين وينتهي العرض، أو بقى أعداد محدودة وسينتهي الحجز، أو استخدام العد التنازلي للإشارة إلى اقتراب نهاية العرض، تجعلنا نسرع إلى الفوز بالصفقة الشرائية قبل أن تنتهي. والحقيقة أن كثيرًا ما لا يكون هنالك وقت حصري للعرض، بل اليوم يتم تمديده لليوم الآخر واليومان، يتم تكرارهم وهكذا حتى ينتهى المخزون المتوفر للعرض، وقد يعلم العملاء هذا أيضًا، لكنهم في النفس الوقت لا يرغبون المخاطرة بخسارة العرض إذا كان حقيقًا، ويشعرون بضرورة الفوز بيه قبل الأخرين، فهذا يجعلهم يشعرون بنوع من أنواع الإنجاز الوهمي الصغير.
يميل العملاء إلى شراء العروض التي ستحقق لهم أفضل استفادة ممكنة، لذلك عادة ما تجد نسبة البيع والشراء في ارتفاع كبير عندما تتبنى العلامات التجارية سياسية العرض المغري؛ أى تعرض منتجين سويًا بسعر اقل من شراء كل واحد منهم على حدى، أو أن تعرض منتج أساسي ومعه منتجًا تكميلي له مهم بخصم 20% عن شرائهم منفصلين. التسعير النفسي يتم استخدامه هنا أيضًا عندما يقدم البائع عرضًا لشراء منتج والحصول على منتج اخر هديه معه بسعر مناسب، فيظن المشتري أنه قد تمكن من القيام بصفقة ناجحة حصل فيه على منتجين بسعر المنتج الواحد بدون أن يتعرض للخداع، مع أن في الحقيقة سعر المنتج الأساسي قد ضٌيف عليه سعر تكلفة المنتج الآخر قبل عملية طرح العرض في الأسواق.
تؤثر كل من الخطوط والألوان في عملية التسعير النفسي للمنتجات، حيث يتأثر العملاء كثيرًا بحجم الخط الذي يتم كتابة السعر به وتؤثر نفسيًا على سرعتهم في الاستجابة للعرض الشرائي أم لا؟ لذلك عادة ما تقوم العلامات التجارية بتصغير الخط المكتوب به سعر المنتج، حيث يعمل هذا عمل السحر في التأثير في القيمة النفسية للرقم المكتوب. بجانب حجم الخطوط ومظهرها المؤثر في الاستجابة الشرائية للعملاء، فإن لون الخط كذلك يؤثر بطريقة لا تتخيلها في جذب الانتباه وكذلك اتخاذ القرار الشرائي؛ فطبقًا لدراسات يميل الرجال بشكل أكبر إلى الاستجابة إلى الأسعار التي يتم كتابتها باللون الأحمر على عكس الشائع في استخدام الأسود في كتابة السعر، وبالرغم من أن لا يوجد تفسير واضح لهذه الاستجابة الشاذة إلا إن البعض فسر هذا كون الون يميل إلى التنافس مما يجذب انتباه الذكور بشكل أكبر عكس الألوان الأخرى المحايدة.
عندما تقرأ مميزات منتج وتكون كالآتي: (جودة عالية، عمر أطول، خامات ممتازة) ثم ترى السعر الخاص به، فعادة ما يميل عقلك إلى تفسير أن سعر المنتج المرتفع هذا مرتبط بهذه الخصائص العالية، وهذا يرجع إلى تأثير الكلمات المفخمة والقوية في التأثير النفسي على سلوك العميل. لذلك عادة ما يدخل العميل في مجادلة مع نفسه عادة ما تكون نتيجتها إنه لا يحتاج منتجًا بهذه المواصفات الفاخرة بل يبحث عن منتج متوسط بسعر مناسب، لذلك إذا كنت تسعى إلى تجنب ذلك، فقم باستخدام التسعير النفسي للمنتج باستخدام عبارات أقل قوة في شرح المميزات؛ فمثلًا قل : الأقل سعرًا في السوق والأكثر جودة، الأقل صيانة لكفاءة أدائها، الأقل شحنًا بسبب عمر البطارية الطويل… وهكذا.
يتم استخدام النسب بكثرة في عملية التسعير النفسي للمنتجات، حيث يتم استخدامها في العروض الحصرية تحديدًا كدعوة إلى اتخاذ قرار شرائي سريع، وغالبًا ما تكون فعالة في التأثير على نسب المبيعات. يتم استخدام النسب في التسعير النفسي كالآتي: بأن يتم استخدام جمل مثل خصم 50% إذا قمت بالشراء الآن، خصم 40% لفتره محدودة، سارع بالحصول على منتجك بخصم 30%، خصم 20% على جميع المنتجات لفترة محدودة وهكذا.
يحب العملاء العروض الحصرية نعم، لكنهم يميلون إلى الطمأنينة فيما يتعلق بالأسعار الثابتة كذلك، فهذا يساعدهم على تنظيم نفقاتهم الشرائية وتوقع الميزانية التي سيتم إنفاقها بالتفصيل، وذلك على عكس المنتجات متغيرة السعر بشكل متكرر والتي بدورها تساعد في تشتيت العميل.لا يرغب العملاء في الوقوع في موقف محرج حيث يتفاجئون بتغير كبير في السعر بدون مقدمات، أو يضطرون إلى تغيير منتجهم المفضل فجأة لأن سعره لم يعد مناسبًأ للميزانية المتاحة معاهم، لذلك بعض الشركات تميل إلى استخدام استراتيجية السعر الثابت في عروضها، بحيث تطمئن العميل بأن المنتج دومًأ سيكون في استطاعتهم المالية على الدوام.
نعم نحن نرغب في شراء كل ما نرغب فيه بسعر قليل، لكننا أيضًا نميل إلى التميز وحب الذات، لذلك عاده ما لا نواجه مشكلة حقيقية مع سعر منتج غالي، إذا كان هذا سيضمن لنا نوع من الميزة التي لا يملكها الآخرون. يمكنك أن ترى ميزة الحصيرة تظهر بقوة مع مستخدمي هواتف أبل، فهم يرون أن سعر المنتج المرتفع لا يقارن بشيء أمام القيمة الإجتماعية التي يحصلون عليها من دوائرهم المحيطة، بالإضافة إلى أن العلامة التجارية تمنح العديد من المميزات التي لا يحصل عليها عملاء المنافسين الأخرين، لذلك إذا كانت منتجاتك غالية الثمن، فالتسعير النفسي مازال في صفك أيضًا، كل ما عليك فعله هو إضافة ميزة حصرية تفوق قيمتها السعر المعروض، وسيتاهفت العملاء عليك بدون حتى أن تبذل مجهود.
أحيانًا ما يقتنع العملاء بسعر منتجك ويرون أنه عادل أمام المميزات التي يمتلكها مع ذلك لا يشترونه لعدم قدرتهم المالية في الوقت الحالي، لذلك تأتى استراتيجية القدرة على تحمل التكلفة كحل مثالي للتغلب على هذا العائق. تقوم استراتيجية تحمل التكلفة على منح العميل فترة أطول لسداد سعر المنتج، بحيث تشتمل على عروض تقسيط المبلغ على فترات زمنية متتابعة، بحيث يكون السعر المدفوع دوريًا في استطاعة العميل وأقل بكثير مما كان يتوقع.
تعد استراتيجية تأثير الخدعة واحدة من أشهر الاستراتيجيات الخاصة بالتسعير النفسي استخدما، وتظهر بقوة في أماكن البيع بالتجزئة وفي المطاعم وكذلك في السينمات. تقوم هذه الاستراتيجية على تقسيم خط الإنتاج الواحد إلى فئات، أى أن يكون المنتج الواحد متاح منه حجم صغير ومتوسط وكبير. ولدفع العميل إلى شراء المنتج الأكثر سعرًا وهو الأكبر حجمًا بالطبع، تقوم الشركات إلى وضع سعر غير منطقي للمنتج المتوسط، يقارب في قيمته سعر المنتج الكبير، فيتجه العميل لا اراديًا إلى شراء الأخير كونه الأكثر فائدة وحجمًا، بجانب ان فارق السعر ليس بكبير.
يمثل السعر واحد من المقومات الفعالة التي تؤثر في القرار الشرائي للمنتج أو الخدمة، فحتى لو كان المنتج يمتلك كل المقومات التي تجعله الأنسب والأفضل لاحتياجات العميل، تبقى نقطة السعر نقطة محورية في إستكمال العملية البيعية أم لا.لذلك لا تستغرب ان كثير من العلامات التجارية تميل بخفض أسعارها مع تحقيق هامش ربح جيد، بحيث تتفوق على المنافسين وتجذب عملائهم لها؛ فالعميل بطبعه مهما كان وليًا لك سيتأثر بوجود منتج أخر يقدم نفس خدماتك ولكن بسعر أقل يناسبه.
تمثل هذه الاستراتيجية سلاحًا ذو حدين؛ فكثيرًا من العملاء يتجنبون الشراء عندما تكون تكلفة الشحن مرتفعة ولاسيما في المحافظات البعيدة، وفي نفس الوقت قد تكلف هذه العملية أعباء إضافية على البائع إذا قام المشتري بإرجاع المنتج أو استبداله، هنا سيتعين على البائع دفع كل هذه التكاليف بدلًا من العميل نفسه بسبب عرضه المجاني. لذلك إذا كنت تستخدم استراتيجية الشحن المجاني كواحدة من استراتيجيات التسعير النفسي الفعالة، تأكد أولًا أن تمتلك سياسات صارمة فيما يتعلق بعمليات الاستبدال والاسترجاع، وان يتحمل العميل جزء منها كذلك. كما يمكن تخفيض سعر الشحن بإضافة جزء منه على سعر المنتج الاصلي، وتخفيض سعر الشحن ليكون مناسبًا بالنسبة للعميل أيضًا
يتم استخدام استراتيجية التسعير النفسي بناء على الاستخدام اليومي بكثرة ولاسيما في مجال الخدمات، وفيه تقوم العلامة التجارية بعرض أسعار باقات الاشتراك معها طبقًا للاستخدام اليومي، فمثلًا بدل ما أن تقول أن سعر الاشتراك الشهري هو 30 $، تقول بأن سعر الإشتراك هو 1 دولار لليوم الواحد. تقوم هذه الاستراتيجية على إيهام العميل بكونه يجرى صفقة بيعية ناجحة، فـ 1 دولار مقابل الفائدة التي تعود عليه من استخدام الخدمة ليس بالأمر الكبير، كما أن السعر نفسه يمتلك قيمة سعرية ضئيلة، لذلك لا يواجه صراع نفسي قوي يدفعه إلى رفض العرض، بل سيعمد سريعًا إلى الانتفاع به والاشتراك الفوري فيه. التسعير النفسي للمنتجات مجالًأ كبيرًا يحتوى على العديد من الاستراتيجيات والأسرار، لكن كل هذه التكتيكات ستكون غير فعالة إذا كنت تمنح عملائك عروض وهمية أو تتعمد خداعهم بشكل دائم، فبجانب كون العملاء أذكياء ومن تريدهم حقًا لن يقعون في هذه الفخاخ، إلا أن سيؤثر أيضًا على سمعتك التجارية ومستوى الثقة بينك وبين العميل. لذلك عندما يتعلق الأمر بتنفيذ الاستراتيجيات الخاصة بالتسعير النفسي بكفاءة، فالأمر لا يتوقف على معرفتها فحسب، بل على طريقة التطبيق كذلك، بالإضافة إلى كيفية قياس نتائج هذه الاستراتيجيات وتطويرها أيضًا.